أشار الأمين العام لـ"حزب الله" الشّيخ نعيم قاسم، إلى "أنّنا مررنا في أخطر مرحلة منذ نشأة حزب الله قبل 42 عامًا عام 1982، وتعرّضنا لعدوانٍ وحشيّ وإجرامي طال المقاومين والمحاسبين والبيئة وطال كلّ لبنان. أراد العدو من خلال عدوانه الغاشم أن يسحق المقاومة وأن يُلغي حضورها ووجودها، فواجهته المقاومة بمعركةِ "أولي البأس"، التي كان لها الدور الكبير والأساس في الوصول إلى هذه النتيجة التي وصلنا إليها".
وركّز، في كلمة له، على "أنّنا عشنا أيامًا وأسابيع لمدة 64 يومًا بالتضحيات والآلام والشهداء والجرحى والنزوح بصبرٍ وثباتٍ وتوكّلٍ على الله تعالى، هو اختبارٌ لأصحاب العزم والمخلصين. والحمد لله الذي وفّقنا وحقّق وعده بنصرِ المؤمنين بعد هذه الزلزلة وهذه الصعوبات وهذه التعقيدات، بسبب الصبر والتوكّل والثّبات بحمدِ الله".
وأوضح قاسم أنّ "ثلاثة عوامل أساسيّة لها علاقة بنصر الله لنا في هذه المعركة: العامل الأول، وجود المقاومين المجاهدين الاستشهاديين في الميدان، وصمودهم الأسطوري الذي أذهل العالم، فهم كانوا على الحافة الأماميّة بشجاعة وبسالة وتضحية، واستطاعوا أن يوقفوا المدّ الإسرائيلي، كما كانت الصواريخ والطائرات المسيّرة تصل إلى أهدافها إلى تل أبيب وحيفا، وكل هذه المناطق في الجبهة الشمالية في فلسطين المحتلة. وجود المقاومين وصبرهم وجهادهم كان عاملًا أساسيًا من عوامل النصر والتوفيق".
وفسّر أنّ "العامل الثاني، دماء الشهداء وعطاءاتهم وعطاءات الجرحى، دماء الشهداء وعلى رأسهم سيّد شهداء الأمّة السيّد حسن نصر الله. هذه الدماء التي أعطت زخمًا وحافزًا للمجاهدين من أجل الاستمرار، وصبّرت الناس لتوقّع أن يكون هناك انتقام ومواجهة لهذا العدو الإسرائيلي. والعامل الثالث، هو استعادة بنية القيادة والسيطرة، فعاد الحزب مُتماسكًا قيادةً ومقاومة، وهذا ما ساعد على إدارة معركة البأس بشكلٍ مُتناسب في إدارة النيران وإدارة الميدان، والعمل المباشر الذي ساعد على تحقيق هذا الإنجاز".
كما أعلن "أنّنا انتصرنا في هذه المعركة، بعد أن نصرنا الله بالقيام بما علينا، بأداء واجباتنا، بتماسك عددنا وعدّتنا، بالتعاون مع المخلصين الشرفاء، بالتفاف الأمّة من حولنا؛ هذا كلّه ساعد في هذه النتيجة. انتصرنا لأنّ مقاومتنا باقية ومستمرّة وستتألّق أكثر، انتصرنا لأنّ أهلنا احتسبوا تضحياتهم عند الله ويفاخرون بولائهم، انتصرنا لأنّ العدو الإسرائيلي لم يُحقّق أهدافه وهذه هزيمةٌ له، انتصرنا لأنّ الوحدة الوطنيّة تجلّت والفتنة خُنقت في مهدها؛ وهذا توفيقٌ من الله".
وشدّد قاسم على "أنّنا وافقنا على اتفاق إيقاف العدوان ووقف إطلاق النار، ورجال الله في الميدان مرفوعو الرأس من موقع القوّة ومن موقع العزّة. هذا الاتفاق هو اتفاق إيقاف العدوان وآليّة تنفيذيّة للقرار 1701 ليس شيئًا جديدًا، الاتّفاق آليّة تنفيذيّة للقرار 1701 هو تحته وليس فوقه، هو جزءٌ منه وليس قائمًا بذاته، ولا هو اتّفاق جديد".
وبيّن أنّ "الاتفاق يدعو إلى انسحاب إسرائيل من كامل الأرض اللبنانيّة وإيقاف عدوانها، بالمقابل يُمنع تواجد المسلّحين وسلاح المقاومة في جنوب نهر الليطاني، حيث ينتشر الجيش اللبناني الوطني كقوّة مسلّحة وحيداً. إذًا هو اتّفاق لجنوب نهر الليطاني، أمّا القرارات ذات الصلة وآليّاتها المختلفة والواردة في داخل القرار 1701، والتي لم يتعرّض لها الاتّفاق في آليّاته التنفيذيّة، لأنّ الآليّات التنفيذيّة مُقتصرة على جنوب نهر الليطاني وليس شيئًا آخر، وإن أشارت إلى غير ذلك فهي إشارة للعودة إلى القرارات ذات الصلة وإلى المضمون التفصيلي الآخر 1701".
وأضاف: "القرارات ذات الصلة لها آليّاتها، ومنها استعادة لبنان لحدوده الكاملة ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا خلال فترةٍ زمنيّة مُحدّدة، وأمّا ما له علاقة بالداخل اللبناني وبالعلاقة بين المقاومة والدولة والعلاقة بين المقاومة والجيش، فهذا له علاقة بآليّات يُتّفق عليها في الداخل اللبناني ولا علاقة لإسرائيل بها، ولا علاقة لأيّ لجنة أن تنظر إليها أو أن تتعاطى فيها لأنّها من المسائل الداخلية".
ولفت قاسم إلى "أنّنا رأينا خروقات إسرائيليّة كثيرة، حوالي 60 خرقًا وزيادة، ونعتبر أنّ الدولة اللبنانية هي المسؤولة عن المتابعة بالعلاقة مع لجنة الإشراف على الاتفاق، والمقاومة تُعطي الفرصة لإنجاح الاتفاق. نسأل الله أن تنعقد هذه اللجنة المعنية من أجل الوصول إلى النتيجة المطلوبة". وشرح "أنّنا تحدّثنا عن النصر، ولكن ما هو تثبيت الأقدام؟ لقد أصيبت المقاومة بجراحات بليغة، ولكن يتم التعافي منها إن شاء الله بشكل تدريجي ومع المستقبل".
وأكّد أنّ "حزب الله قوي ببُنيته وتمثيله النيابي وشعبيته ومؤسساته، وهو مُكوّن رئيسي في البلد مع المكونات الأخرى، وسيبقى كذلك. حزب الله قوي بقوة مشروعه السيادي الذي يُريد بناء دولة العدالة بالتعاون مع كل الأفرقاء"، مركّزًا على أنّ "حزب الله قوي لأنّه مع الحقّ، حقّ الفلسطينيين في تحرير أرضهم، وحق اللبنانيين في تحرير أرضهم، ورفض التوطين، ورفض استخدام لبنان منصة للآخرين. نحن الآن كحزب الله نُتابع في كل المجالات السياسية والاجتماعية والمقاومة والثقافية والصحية، سنُقيّم ما مررنا به من أزمات ومن حرب، ونستفيد من الدروس والعبر للتطوير والتحسين في كلّ المجالات إن شاء الله".
إلى ذلك، أشار إلى أنّ "مرحلة النزوح مرّت، وما زال لها آثار حتى الآن، وكانت صعبة ومُتشعّبة وتعقيداتها كثيرة، هي أزمة غير مسبوقة، أكثر من 250 ألف عائلة وأكثر من مليون و100 ألف نازح تركوا بيوتهم في الجنوب والبقاع والضاحية وأماكن أخرى، هذه العوائل اتّخذت من مراكز النزوح مكانًا لسكناها. كان عدد العوائل في مراكز النزوح يُساوي حوالي 20%، والباقي 80% من النازحين كانوا في بيوت، سواءّ كانت البيوت مستأجرة أو مُعارة أو مع أصحاب البيت".
واعتبر الأمين العام للحزب أنّ "هؤلاء النازحين هم مُضحّون، معطاؤون، هم في الحقيقة الثروة الكبيرة التي كانت إلى جانب المقاومة، تدعمها بصمودهم، بثباتهم، بتضحياتهم، أبناؤهم في الميدان، وبيوتهم تحت القصف والتدمير، وأطفالهم ونساؤهم في وضعٍ صعب جدًا. هؤلاء هم أشرف الناس، هم أطهر الناس، شكرًا لكم على تضحياتكم وعلى عطاءاتكم، وشكرًا لمُضيفيكم الذين قدّموا وكانوا نموذجًا للمواطنية الصحيحة. شكرًا للجهات المختلفة التي دعمت سواءً كانت على مستوى حكومي أو على مستوى مدني أو المؤسسات المختلفة. شكرًا للدول التي ساعدت وقدّمت من الأشقاء ومن الدول الأخرى".
وتابع: "لقد ساهم حزب الله بالإدارة والتقديمات العينية والصحية والمالية من خلال لجان مُتطوعة، رغم الظروف الصعبة التي كُنّا نمر بها، يعني كُنّا جزءًا من عملية مساعدة النازحين بالتقديمات المختلفة على صعيد الغذاء والدواء وعلى صعيد رعاية المراكز، بعض مراكز الإيواء، وكذلك في المنازل والأماكن المختلفة".
وأوضح أنّ "خلال شهر تشرين الثاني 2024، قرّر حزب الله صرف هدية ماليه، هي هدية الشعب الإيراني وحزب الله، هذه الهدية تتراوح بين 300 دولار و400 دولار لكل عائلة، من أصل 233,500 عائلة، أي هؤلاء الذين سجّلوا على المنصة وهؤلاء يستحقون أخذ هذا المبلغ بين 300 دولار و400 دولار على تفصيل له علاقة بالإيجار، له علاقة بالمازوت، وله علاقة بالغذاء. حتى مساء يوم الجمعة الماضي، كان هناك 74% من الذين تقاضوا هذا المبلغ، والقيمة الإجمالية التي دُفعت 57 مليون دولار شملت 172 ألف عائلة، بقي 26% بقيمة 20 مليون دولار أي 61,500 عائلة، أي المجموع العام 77 مليون دولار لـ 233,500 عائلة هو ما دُفع قُسم منه وسيُدفع الباقي إن شاء الله".
وتوجّه قاسم بالشكر إلى "إيران بقيادة الإمام علي الخامنئي والدولة والشعب وحرس الثورة الإسلامية، لأنّهم قدّموا هذا الدعم السخي في عملية النزوح. كما نشكر العراق والمرجعية الدينية والعتبات المقدسة والحشد الشعبي والشعب العراقي عمومًا لمساهمته المالية. ونشكر اليمن السعيد قيادةً وشعبًا بكل أطيافه، ونشكر أنصار الله والعلماء والمحبين".
وشدّد على أنّ "مرحلة الإيواء والإعمار هي وعد والتزام، وعد من نصرالله خلال فترة مساندة غزة وخلال الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على لبنان، والتزام منّا نحن حتى نُطبّق هذا الوعد ونلتزم به على المستوى العملي، فارتأينا أن يكون شعار هذا هذه الحملة هو "وعد والتزام"، كتطبيق للوعد الذي أُعطي".
وبيّن "أنّنا لا نرضى لأهلنا أن يكونوا مستمرين في نزوحهم في أماكن عامة أو في بعض البيوت التي ضاقت بأهلها، نحن نريد لهم أن يكونوا أعزاء وأن يسكنوا في أماكن لائقة، خاصة أولئك الذين وجدوا بيوتهم مُدمرّة كليًا أو جزئيًا، كيف يمكن أن ينتقلوا ليسكنوا في البيوت، أي نحن لا نريد أن نرى أحدًا لا في مدرسة ولا في مركز إيواء ولا في أي مكان يكون عِبئًا فيه على الآخرين"، شارحًا أنّ "الحل هو أن يستأجر مُؤقّتًا لمدة سنة مثلًا وربما أكثر، هذا الاستئجار إلى أن يُرمّم بيته أو إلى أن يُعمّر هذا البيت الموجود. اتخذنا القرارات الآتية:
-المنازل المُهدّمة كليًا والمشغولة كسكن أساسي، أي الشخص ليس لديه غير هذا المنزل، وهذا المنزل يسكن فيه، يمكن شخص آخر عنده منزلين، يسكن في واحد من هذين المنزلين، المنزل الذي يسكن فيه هُدّم والذي لا يسكن فيه لم يُهدّم، هذا لا يشمله، يشمل من يكون له منزل يسكنه وقد تهدّم كليًا. هذا الشخص نُعطيه 8000 دولار كأثاث للمنزل، وإذا كان يسكن في بيروت أو الضاحية نُعطيه 6000 دولار كإيجار لمدة سنة، أي معدل 500 دولار في الشهر لمدة سنة. وأما إذا كان يسكن خارج بيروت والضاحية، فالإيجار لمدة سنة 4000 دولار. بمعنى آخر، كل من هُدّم منزله بشكل كامل ولا يستطيع أن يعود إليه، إذا كان في بيروت أو الضاحية يُدفع له 14,000 دولار لمدة سنة بين إيجار وأثاث، وإذا كان خارج بيروت يُدفع له 12,000 دولار كإيجار وأثاث في آن معًا".
كما لفت قاسم إلى أنّ "بطبيعة الحال، الحكومة لديها أيضًا برنامج عمل، وهي معنية أن ترفع الأنقاض وتُعالج مسألة البنى التحتية، وأيضًا أن تضع برنامج لكلفة ترميم المنازل وإعادة الإعمار. بمعنى آخر، نحن سنكون يدًا بيد مع الحكومة اللبنانية، أي سنساعد في ترميم العطاءات وفي الإعطاء المناسب إذا افترضنا أنّ ما تُقدّمه الحكومة كان فيه بعض النواقص في بعض المجالات، لكن بالأساس سيكون الترميم وإعادة الإعمار من متابعات الحكومة ونحن إلى جانبها".
ودعا "الدول من الأشقاء العرب والدول الصديقة للمساهمة في الإعمار"، مضيفًا: "على الدولة اللبنانية أن تُبرز مساهماتهم الكريمة ونحن نشكرهم سلفًا. كما ندعو إلى أوسع مشاركة مجتمعية واغترابية وعربية وإسلامية وعالمية على المستوى الشعبي من أجل هذه المشاركة، وهذا شرف لكل من ساهم في إعادة الإعمار في بلدة أو قرية أو حي أو شارع أو مبنى. إعادة الإعمار هو تثبيت لدعائم الانتصار، وهو مكرمة للمساهمين في سجل مواجهه العدوان الإسرائيلي الأميركي، وهو تأكيد لاستقلال لبنان وعنفوان أبنائه".
من جهة ثانية، أفاد بأنّ "العدوان على سوريا ترعاه أميركا وإسرائيل، ولطالما كانت المجموعات التكفيرية أدوات لهما منذ سنة 2011، عندما بدأت المشكلة في سوريا، هؤلاء بعد العجز في غزة وانسداد الأفق وبعد الاتفاق على إنهاء العدوان على لبنان، وبعد فشل محاولات تحييد سوريا، يُحاولون تحقيق مُكتسب من خلال تخريب سوريا مُجدّدًا ومن خلال هذه المجموعات الإرهابية، التي تريد أن تُسقط النظام في سوريا، وتُريد أن تُحدث الفوضى في سوريا، وأن تنقلها من الموقع المقاوم إلى الموقع الآخر المعادي والذي يخدم العدو الإسرائيلي".
وشدّد قاسم على أنّ "إن شاء الله لن يتمكنوا من تحقيق أهدافهم، رغم ما فعلوه في الأيام الماضية، وسنكون كحزب الله إلى جانب سوريا في إحباط أهداف هذا العدوان بما نتمكّن منه"، متسائلًا: "أما آن للعرب والمسلمين أن يتحرّكوا لما يجري في غزة من إبادة، بعد 150 ألف شهيد وجريح من الرجال والنساء والأطفال، وبعد هذا التدمير وبعد هذه الإبادة؟ والآن أيضًا يتفرّجون على ما يجري في سوريا".
وختم: "إعلموا أنّ كل ربح لإسرائيل هو خسارة لكم أيضًا، وليس خسارة لفلسطين وسوريا ولبنان وغيرهم، وسينعكس هذا على بلدانكم ومستقبل أبنائكم، لأنّنا أمام مشروع إسرائيلي توسّعي شرق أوسطي خطير جدًا. وأدعوكم إلى أن تدعموا المقاومة في غزة في مواجهة العدوان الإسرائيلي والإبادة الإسرائيلية، أدعوكم إلى منع التكفيريين من عدوانهم الذي يخدم العدو الإسرائيلي، تأكدوا أنّكم بذلك تربحوا ولو كنتم متأخرين".